الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ ابن خلدون المسمى بـ «العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر» (نسخة منقحة)
.الخبر عن انتقاض الحسن بن عمر وخروجه بتادلا وتغلب السلطان عليه ومهلكه: لما فصل الوزير الحسن بن عمر إلى مراكش واستقر بها تأثل له بها سلطان ورياسة نفسها أهل مجلس السلطان وسعوا في تنكر السلطان له حتى أظلم الجو بينهما وشعر الوزير بذلك فارتاب بمكانه وخشي بادرة السلطان على نفسه وخرج من مراكش في شهر صفر من سنة إحدى وستين وسبعمائة فلحق بتادلا منحرفا عن الطاعة مرتبكا أمره وتلقاه بنو جابر من جشم واعصوصبوا عليه وأجاروه وجهز السلطان عساكره إلى حربه وعقد علها لوزيره الحسن بن يوسف وسرحه إليه فاحتل بتادلا ولحق الحسن بن عمر بالجبل واعتصم به مع الحسين بن على الورديغي كبيرهم وأحاطت بهم العساكر وأخذوا بمخنقهم وداخل الوزير بعض أهل الجبل من صناكة في الثورة بهم وسرب إليهم المال فثاروا بهم وانفض جمعهم وتقبض على الحسن بن عمر وقاده برمته إلى عسكر السلطان فاعتقله الوزير وانكفأ راجعا إلى الحضرة وقدم بها على السلطان في يوم مشهود واستركب السلطان فيه العسكر وجلس ببرج الذهب مقعده في ساحة البلد لاعتراض عساكره وحمل السلطان الحسن بن عمر على جمل طيف به بين أهل ذلك المحشر وقرب إلى مجلس السلطان فأومأ إلى تقبيل الأرض فوق جمله وركب السلطان إلى قصره وانفض الجمع وقد شهروا وصاروا عبرة من عبر الدنيا ودخل السلطان قصره فاقتعد أريكته واستدعى خاصته وجلساءه وأحضره فوبخه وقرر عليه مرتكبه فتلوى بالمعاذير وفزع إلى الإنكار وحضرت هذا المجلس يومئذ فيمن حضره من العلية والخاصة فكان مقاما تسيل فيه العيون رحمة وعبرة ثم أمر به السلطان فسحب على وجهه ونتفت لحيته وضرب بالعصي وتل إلى محبسه وقتل لليال من اعتقاله قعصا بالرماح بساحة البلد ونصب شلوه بسور البلد عن باب المحروق وأصبح مثلا في الآخرين..الخبر عن وفد السودان وهديتهم وأغرابهم فيها بالزرافة: كان السلطان أبو الحسن لما أهدى إلى ملك السودان منسا سليمان بن منسا موسى هديته المذكورة في خبره اعتمل في مكافأته وجمع لمهادات من طرف أرضه وغرائب بلاده وهلك السلطان أبو الحسن خلال ذلك ووصلت الهدية إلى أقصى ثغورهم من الأرس وهلك منسا سليمان قبل وصولها واختلف أهل مالي وافترق أمرهم وتواثب ملوكهم على الأمر وقتل بعضهم بعضا وشغلوا بالفتنة حتى قام فيهم منسا زاطة واستوثق له أمرهم ونظر في أعطاف ملكه وأخبر بشأن الهدية وأخبر أنها بوالاتن فأمر بإنفاذها إلى ملك المغرب وضم إليها حيوان الزرافة الغريب الشكل العظيم الهيكل المختلف الشبه بالحيوانات وفصلوا بها من بلادهم فوصلوا إلى فاس في صفر من سنة اثنتين وستين وسبعمائة وكان يوم وفادتهم يوما مشهودا جلس لهم السلطان ببرج الذهب مجلس العرض ونودي في الناس بالبروز إلى الصحراء فبرزوا ينسلون من كل حدب حتى غص بهم الفضاء وكب بعضهم بعضا في الازدحام على الزرافة إعجابا بخلقتها وأنشد الشعراء في معرض المدح والتهنئة ووصف الحال وحضر الوفد بين يدي السلطان وأدوا رسالتهم بتأكيد الود والمخالصة والعذر عن إبطاء الهدية بما كان من اختل إلى أهل مالي وتواثبهم على الأمر وتعظيم سلطانهم وما صار إليه والترجمان يترجم عنهم وهم يصدقونه بالنزع في أوتار قسيهم عادة معروفة لهم وحيوا السلطان يحثون التراب على رؤوسهم على سنة ملوك العجم ثم ركب السلطان وانفض ذلك الجمع وقد طار به الذكر واستقر ذلك الوفد في إيالة السلطان وتحت جرايته وهلك السلطان قبل انصرافهم فوصلهم القائم بالأمر من بعده وانصرفوا إلى مراكش وأجازوا منها إلى ذوي حسان عرب المعقل من السوس المتصلين ببلادهم ولحقوا من هنالك بسلطانهم والأمر لله وحده..الخبر عن حركة السلطان إلى تلمسان واستيلائه عليها وايثار أبي زيان حافد أبي تاشفين بملكها وما كان من ذلك من صرفه أمراء الموحدين إلى بلادهم: لما استقل السلطان بملك المغرب سنة ستين وسبعمائة كما ذكرناه وكان العامل على درعة عبد الله بن مسلم الزردالي من أخلاف بني عبد الواد وشيعة أبي زيان اصطنعه السلطان أبو الحسن عند تغلبه على تلمسان واستعمله أبو عنان بعد ذلك على بلاد درعة كما ذكرناه وتأتى له المكر بأبي الفضل ابن السلطان أبي الحسن حين خروجه عل أخيه السلطان أبي عنان بجبل ابن حميدي فارتاب عند استقلال المولى أبي سالم بالأمر وخشي بادرته لما رآه من حقد عليه بسبب أخيه أبي الفضل لما كان بينهما من لحمة الاغتراب فداخل بطانة له من عرب المعقل واحتمل ذخائره وأمواله وأهله وقطع القفر إلى تلمسان ولحق بالسلطان أبي حمو آخر سنة ستين وسبعمائة فنزل منه خبر نزل وعقد له حين وصوله كل وزارته وباهى به وبمكانه وفوض إليه في التدبير والحل والعقد فشمر عن ساعده في الخدمة وجأجأ بعرب المعقل من مواطنهم رغبة في ولايته وايثارا لمكانته من الدولة ورهبة من سلطان المغرب لما كانوا ارتكبوه من موافقة بنى مرين مرة بعد أخرى فاستقروا بتلسمان وانحاشوا جميعا إلى بنى عبد الواد وبعث السلطان أبو سالم إلى أبي حمو في شأن عاملهم عبد الله بن مسلم فلم يرجع له جوابا عنه حضر عليه ولاية المعقل أهل وطنه فلج في شأنهم فأجمع السلطان أمر ه عل النهوض إليهم واضطرب معسكره بساحة البلد وفتح ديوان العطاء ونادى في الناس بالنفبر إلى تلمسان وأزاح العلل وبعث الحاشدين من وزرائه إلى مراكش فتوافت حشود الجهات ببابه وفصل من فاس في جمادى من سنة إحدى وستين وسبعمائة وجمع أبو حمو من في إيالته وعلى التشييع لدولته من زناتة والعرب من بنى عامر والمعقل كافة ما عدا العمارنة كان أميرهم الزبير بن طلحة متحيزا إلى السلطان وأجفلوا عن تلمسان وخرجوا إلى الصحراء ودخل السلطان إلى تلمسان ثالث رجب وخالفه أبو حمو وأشياعه إلى المغرب فنزلوا كرسيف بلد ونزمار بن عريف وخربوه واكتسحوا ما وجدوا ليه حقدا على ونزمار وقومه بولاية بنى مرين وتخطوا إلى وطاط فعاثوا في نواحيه وانقلبوا إلى أنكاد وبلغ السلطان خبرهم فتلافى أمر المغرب وعند عل تلمسان لحافد من حفدة السلطان أبي تاشفين كان ربي في حجرهم وتحت كفالة نعمتهم وهو أبو زيان محمد بن عثمان وشهرته بالفتى وأنزله بالقصر القديم من تلمسان وعسكر عليه زناتة الشرق كلهم واستوزر له ابن عمه عمر بن عمد بن إبراهيم بن مكي ومن أبناء وزرائهم سعيد بن موسى بن علي وأعطاه عشرة أحمال من المال دنانير ودراهم ودفع إليه الآلة وذكر حينئذ لمولانا السلطان أبي العباس سوابقه وإيلافه في المنزل الخشن فنزل له عن محل إمارته قسنطينة وصرف أيضا المولى أبا عبد الله صاحب بجاية لاسترجاع بلده بجاية فعقد لهما بذلك وحملهما وخلع عليهما وأعطاهما حملين من المال.وكانت بجاية لذلك العهد قد تغلب عليها عمهم المولى أبو اسحق إبراهيم صاحب تونس فكتب إلى عاملهم على قسنطينة منصور بن الحاج خلوف أن ينزل عن بلدة مولانا السلطان أبي العباس أحمد ويمكنه منها وودع هؤلاء الأمراء وانكفأ راجعا إلى حضرته لسد ثغور المغرب وحسم داء العدو فدخل فاس في شعبان من سنته ولم يلبث أن رجع أبو زيان على أثره بعد أن أجفل عن تلمسان ولحق بوانشريش وتغلب عليه أبو حمو وفض جموعه فلحق بالسلطان واستقل أبو حمو بملك تلمسان وبعث في السلم إلى السلطان فعقد له من ذلك ما رضيه كما ذكرناه.
|